الصحوة الإسلامية في ميزان العقل/ الدكتور فؤاد زكريا

يقدّم المفكر المصري فؤاد زكريا (1927–2010) في كتابه هذا، الذي نشر عام 1987، قراءة نقدية عقلانية لما يُعرف بـ"الصحوة الإسلامية"، معتبراً أنها ليست ظاهرة دينية خالصة، بل أيديولوجيا دينية–سياسية توظّف الدين في سياق اجتماعي وثقافي مأزوم. وهو يميّز بوضوح بين الإسلام بوصفه ديناً روحياً وأخلاقياً، وبين الخطاب الإسلامي المعاصر الذي يحوّل الدين إلى منظومة شعارات تُستخدم في الصراع السياسي. وهي، بوصفها أيديولوجيا، تقوم على خلط التصورات التاريخية بالمقدسات الدينية.
ينطلق الكاتب من نقد منهجي لفكرة العودة إلى الماضي، مبيّناً أن الصحوة تتعامل مع التراث الإسلامي بوصفه كياناً واحداً مقدساً، وتتجاهل طابعه المتغير وتعدديته الثقافية، مما يؤدي إلى تجميد العقل ويمنع أي اجتهاد أو تجديد فكري.
كما ينتقد الكاتب انتقائية الخطاب الصحوي، إذ يُستدعى من التراث ما يخدم أهدافاً معاصرة –كفكرة الخلافة– ويُهمل ما يناقضها، رغم أن كثيراً من الفقهاء ميّزوا بين المثال الأخلاقي والواقع السياسي، مما يفضي إلى خطاب إقصائي يدّعي امتلاك الحقيقة الدينية المطلقة. ويشير إلى أن هذا الخطاب يرفع شعار العقل، لكنه عملياً يقيّده بتفسيرات مسبقة للنصوص، ويتخذ موقفاً ملتبساً من العلم الحديث بين الرفض والتوظيف النفعي.
وفي تحليله للعلاقة مع الغرب، يرفض خطاب الصراع الحضاري، معتبرًا أن تحميل الغرب مسؤولية التخلّف هروب من نقد الذات، وأن التقدّم الغربي نتاج منظومة عقلانية علمية لا مؤامرة ثقافية. كما يلاحظ أن "الصحوة" تفتقر إلى مشروع حضاري متكامل، إذ تملك خطاباً تعبوياً قوياً، لكنها لا تقدّم تصوراً واضحاً للدولة الحديثة أو للاقتصاد أو للحريات الفردية.
ويخلص الكتاب إلى أن النهضة لا يمكن أن تتحقق إلا عبر إحياء العقل النقدي، والفصل بين المقدس والتاريخي، وتحويل الدين إلى مصدر للقيم لا أداة للسلطة. فالرهان الحقيقي، في نظره، ليس على استعادة الماضي، بل على بناء حاضر عقلاني قادر على التفاعل الخلّاق مع العصر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أيام الكواكب وسنواتها

الاتحاد الأوروبي

قواعد المنطق الرئيسية الثلاث

قانون نيوتن الثاني

قانون نيوتن الأول

البركان

التركيب الضوئي

الغلوسيدات

مصباح التوهج الكهربائي

العصر الحجري الحديث Neolithic