ملخّص كتاب «منطق السلطة» – ناصيف نصّار
يهدف ناصيف نصّار في كتابه هذا إلى بناء تحليل فلسفي عقلاني للسلطة، يتجاوز الفهم السائد لها بوصفها مجرّد قهر أو عنف أو انحراف أخلاقي. فالسلطة، في نظره، ظاهرة مركّبة لها منطق داخلي يحكم نشأتها واستمرارها وفاعليتها، وقبولها الاجتماعي. ومن دون فهم هذا المنطق، يستحيل نقد السلطة نقدًا فعّالًا أو التفكير في بدائل سياسية عقلانية.
وهو ينطلق من تمييز أساسي بين القوة والسلطة. فالقوة هي القدرة على الإكراه، أما السلطة فهي قوة مُشرعَنة، أي معترف بها ومبرَّرة داخل الجماعة. لا تقوم السلطة فقط على العنف، بل على قبول المحكومين بها، ولو كان هذا القبول نسبياً أو مفروضاً عبر آليات رمزية وثقافية. وبهذا المعنى، لا يمكن لأي نظام سياسي أن يستمر اعتماداً على القهر الصرف؛ إذ يحتاج دائماً إلى تبرير عقلي أو أخلاقي، وخطاب شرعي، وحدّ أدنى من الامتثال الطوعي.
يحتل مفهوم المشروعية في تحليله مكان الصدارة. فالسلطة لا تفرض نفسها فقط، بل تقدم نفسها بصيغ تبريرية مثل ضرورة إعمال القانون، وضرورة الأمن في البلاد، والاستقرار، والوحدة الوطنية، وكذلك المصلحة العامة التي تبيح لها المحظورات. يمنح هذا الخطاب السلطة طابعاً عقلانياً ظاهرياً، حتى عندما تكون ممارساتها تعسفية. وهنا يبيّن الكاتب أن العقل يمكن أن يُستخدَم كأداة للهيمنة، لا للتحرّر فقط، وهو ما يفرض ضرورة العقلانية النقدية لا العقلانية التبريرية.
يحلّل الكاتب العلاقة الإشكالية بين السلطة والعقل. فالسلطة تحتاج إلى العقل لتنظيم المجتمع، لكنها في الوقت نفسه تعمل على تطويعه وضبط التفكير، وضبط احتكار تعريف العقلانية نفسها. وبذلك، تتحوّل العقلانية من أداة نقد إلى أداة تبرير. هذا التحليل يفسّر كيف يمكن لأنظمة سلطوية أن تبدو "عقلانية" و "منظَّمة" رغم كونها قمعية.
ولا تقتصر السلطة، بحسب الكاتب، على جهاز الدولة أو العنف المباشر، بل تتغلغل في الثقافة والتعليم والإعلام والأعراف الاجتماعية واللغة والخطاب. وهنا يقترب تحليله من مفهوم الهيمنة، حيث تُعاد إنتاج الطاعة عبر العادات والتصوّرات السائدة، لا عبر القسر وحده. فالخضوع قد يكون نتيجة اقتناع، أو خوف، أو تكيّف طويل الأمد مع واقع سلطوي.
يحلل الكاتب الدولة الحديثة باعتبارها الإطار المؤسسي الأعلى للسلطة. ويبرز خصائصها الأساسية: احتكار العنف المشروع، وسيادة القانون، والبيروقراطية، والمركزية السياسية. لكنه يوجّه نقداً ضمنياً وحاداً لتحوّل الدولة، خصوصاً في السياق العربي، إلى جهاز تسلّط بدل أن تكون أداة تنظيم وخدمة عامة. ويشير إلى اختلال العلاقة بين السلطة والمواطنة، حيث تُفرَغ المشروعية من مضمونها الحقيقي.
لا يقدّم الكتاب تحليلاً تاريخياً مباشراً للأنظمة العربية، بل يوفّر إطاراً فلسفياً يسمح بفهم استمرار الاستبداد، وضعف المشاركة السياسية، وإعادة إنتاج الطاعة، وهشاشة الشرعية السياسية. ويكمن عمق الكتاب في أنه لا يكتفي بإدانة السلطة، بل يحلّل كيف تعمل ولماذا تنجح في البقاء، حتى في ظل الفشل أو القمع. إنه كتاب في تفكيك السلطة من الداخل، لا في مهاجمتها من الخارج، وتوفير أساس فلسفي لنقد السلطة وبناء سلطة عقلانية مشروعة.
الكتاب متوفر على الأنترنت.

تعليقات
إرسال تعليق