الدولة المستوردة: غربنة النظام السياسي
يرى برتران بادي أن كثيراً من دول العالم غير الغربي قامت باستيراد نموذج الدولة الحديثة الغربية (الدولة القومية، القانون الوضعي، البيروقراطية، والديمقراطية التمثيلية) دون أن ينبع هذا النموذج من تاريخها الاجتماعي والثقافي الخاص. وكانت النتيجة دولة حديثة في شكل مؤسساتها، لكنها ضعيفة أو غير متجذّرة في المجتمع. ومن ثمّ يرى أن المشكلة في العالم غير الغربي ليست في غياب الدولة، بل في كونها مستوردة لا متأصلة.
فالدولة في الغرب نشأت عبر صراعات داخلية طويلة، وتطوّر تدريجي للقانون، وتفاوض مستمر بين السلطة والمجتمع. أما في كثير من دول آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، فقد فُرض نموذج الدولة من الخارج خلال المرحلة الاستعمارية، أو تبنّته النخب الحاكمة بعد الاستقلال بسرعة ودون تجذير اجتماعي. وقد أدّى نموذج الدولة المستوردة إلى قيام مؤسسات رسمية قوية شكلياً، يقابلها ضعف في الشرعية والفعالية، واعتماد السلطة على القسر بدل التوافق.
ففي إفريقيا، تمتلك دول عديدة دساتير حديثة وبرلمانات ومحاكم، غير أن الولاءات القبلية والعرقية غالباً ما تكون أقوى من الولاء للدولة، التي تُنظَر إليها كجسم غريب أو أداة للنهب. وفي الشرق الأوسط، لا تقوم الدولة في الغالب على عقد اجتماعي، بل على الجيش أو الحزب أو العائلة الحاكمة، مما أسفر عن السلطوية وهشاشة الشرعية والعنف السياسي.
أما اليابان، فقد أعادت تكييف النموذج الغربي للدولة مع ثقافتها الخاصة خلال إصلاحات الميجي، ودمجته في تقاليدها وفي بنية دولة مركزية قوية. ومع ذلك، يظل نجاحها نسبياً، إذ لم تتجذر الديمقراطية فيها بالطريقة نفسها التي عرفها الغرب، وبقي نظامها السياسي والاجتماعي محتفظاً بخصوصية يابانية واضحة.
الكتاب متوفر على الإنترنت

تعليقات
إرسال تعليق